Admin Admin
المساهمات : 230 تاريخ التسجيل : 04/01/2010
| موضوع: التكافل الاجتماعي في الإسلام الخميس نوفمبر 18, 2010 3:59 am | |
| ]التكافل الاجتماعي في الإسلام[/align]
[align=justify]يرتكز التكافل الاجتماعي في الإسلام ، على بناء فكري متكامل ، له أساسه من العقيدة ، ومن المنظومة الأخلاقية الإسلامية ، فلم يكن تقرير هذا الحق للإنسان وليد تجارب بشرية فرضته فرضا ، كما هو الشأن في نظم الضمان الاجتماعي التي تسود الحالم الحديث .
فقد نشأت فكرة الضمان الاجتماعي في نهاية الحرب العالمية الثانية ، وروعي في تقريرها أن السلام الاجتماعي لا يمكن أن يتحقق في حياة الشعوب إذا ترك الفرد يواجه محنه وشدائده وحاجته ، دون أن يشعر بأن المجتمع من حوله على استعداد لمد يد المعونة إليه وقت ضعفه ومحنته .
ولكن التكافل في الإسلام ، يمثل فكرة متقدمة ، تتجاوز مجرد التعاون بين الناس ، أو تقديم أوجه المساعدة وقت الضعف والحاجة . ومبناه ليس الحاجة الاجتماعية التي تفرض نفسها في وقت معين أو مكان بعينه ، وإنما يستمد التكافل الاجتماعي في الإسلام مبناه من مبدأ مقرر في الشريعة ، وهو مبدأ الولاية المتبادلة بين المؤمنين في المجتمع ، يقول الله تعالى : { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } .( سورة التوبة ، الآية 71 ) .فهذه الولاية المتبادلة ، لها مسؤولياتها وتبعاتها في الجوانب المادية والمعنوية من حياة الإنسان ، والولاية لها معان متعددة ، فهي تتضمن معاني الهيمنة والقدرة والتساند والتعاضد .
فالإنسان في التصور الإسلامي ، لا يعيش مستقلا بنفسه ، منعزلا عن غيره ، وإنما يتبادل مع أفراد المجتمع الآخرين الولاية ، بما تعنيه من الإشراف والتساند والتكافل في أمور الحياة ، وفي شؤون المجتمع .
والتكافل في الإسلام ، يعني التزام القادر من أفراد المجتمع تجاه أفراده .
ومن أوضح الأحاديث النبوية في الدلالة على هذا المعنى ، قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : « من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له ، ومن كان له فضل من زاد فليعد به على من لا زاد له » رواه مسلم . يقول راوي الحديث : إن الرسول- صلوات الله عليه وسلامه- أخذ يعدد من أنواع المال حتى حسبنا أن لا حق لنا في الفضل .
فالتكامل في الإسلام ، يتجاوز التعاون المتبادل لمصلحة ، إلى معنى العون بلا مقابل ، سوى أداء الواجب والرجاء في ثواب الله عز وجل .
وهذا العون متى احتاج إليه الإنسان كان لازما على المجتمع المسلم أن يقوم به ، ولو كان احتاج غير مسلم ، باعتباره آدميا يعيش في مجتمع لا يهدر كرامة الإنسان بسبب الضعف والحاجة .
فقد عاون الخليفة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - الفقراء والمحتاجين من أهل الذمة الذين يعيشون في المجتمع الإسلامي (أحكام أهل الذمة للإمام ابن القيم ، ج 1 ، ص 38 ،48) ، وجرى على ذلك ولاة الأمور من المسلمين ، فلا تكليف ماليا على غير المسلم منهم فوق قدرته إذا ثبت فقره وحاجته ، كما أنه يعان ماديا حتى تحفظ حياته . هكذا فعل عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قبل أن يتحدث أحد عن الضمان الاجتماعي ، بألف وأربعمائة عام . والمؤمنون إخوة ، يقول الله تعالى : { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } .( سورة الحجرات ، الآية 10 ). وهم أولياء بعض . وقد حث الله على الإنفاق والصدقة وإعانة المحتاج ، ودعا إلى الوفاء بحق المحتاج باعتباره حقا واجبا ، قال تعالى : { وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ }{ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ } ( سورة المعارج ، الآيتان 24 ، 25 ) .
وذلك يضع الأساس للتكافل الاجتماعي باعتباره حقا من حقوق الإنسان .
وإلى جانب ذلك مجموعة من أحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، تجعل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كالبنيان يشد بعضه بعضا ، وتصور المسلم كأنه عضو أخيه المسلم ، يشتكي لشكواه ، وقد بين الرسول - صلى الله عليه وسلم - مسؤولية المجتمع عن كل فرد محتاج فيه ، في عبارة قوية في إنذارها للفرد والمجتمع : « ليس المؤمن بالذي يشبع وجاره جائع إلى جنبه » رواه البخاري في الأدب المفرد.
ويصل الرسول - صلى الله عليه وسلم - في تحميل المجتمع ومن يقوم عليه مسؤولية الضعيف والمحتاج ، إلى مدى لا ينال حتى في هذا العصر ، عصر حقوق الإنسان المزعومة .
قول الرسول- صلوات الله عليه وسلامه- : « من ترك مالا فلأهله ، ومن ترك دينا أو ضياعا فإلي وعلي » (أخرجه البخاري في كتاب الكفالة بلفظ : ( فمن توفي من المؤمنين فترك دينا فعلي قضاؤه ، ومن ترك مالا فلورثته . ) ومسلم في كتاب الفرائض باب من ترك مالا فلورثته .) إنه التكافل الذي يلتزم به المجتمع ، ويؤديه ولي الأمر نحو الأيتام والضعاف من الناس ، حتى لا يضيعوا في الحياة .
وإذا كان لا بد من تحديد الحقوق ، حتى لا يصبح الحق شعارا يتردد فحسب ، فقد بين الشرع الإسلامي صور التكافل ، وحدد مسؤولية القادرين عليه من أفراد المجتمع .
تظهر الزكاة التي هي أحد أركان الإسلام ، وفريضته الاجتماعية ، أول صور التكافل الاجتماعي في الإسلام ، وهي فريضة على كل مسلم ، وهي حق مقدر بتقدير الشارع الحكيم في المال بشروط معينة ، وهي تدل على معنى أخص من الصدقة التي لا تتحدد بمال معين أو قدر بذاته .
الصدقة متروكة لاختيار الأفراد في قدرها ، وفيمن توجه إليه من المحتاجين ، وذلك على خلاف الزكاة التي فرضها الله في أنواع المال التي حددها الشارع ، وبين نصاب كل نوع ، ومقدار الزكاة فيه ، فالخمس ( 20% ) في الركاز ، وهو ما وجد مدفونا من أموال الجاهلية ، على اختلاف أنواعها ، وربع العشر ( 2.5 % ) في كل من النقدين الذهب والفضة ، ويأخذ حكمهما الأوراق النقدية ، وفي عروض التجارة ، والمعادن ، وهي ما خرج من الأرض مما يخلق فيها من غيرها ، مما له قيمة ، سواء أكان جامدا كالذهب والفضة وغيرهما ، أم كان سائلا كالقار ، والنفط .
كما أوجب الله الزكاة في الخارج من الأرض من الزروع والثمار بمقدار العشر ( 10 % ) إذا كان يسقى بغير مشقة ولا مؤنة ، كالذي يشرب من السماء والأنهار ، وبمقدار نصف العشر ( 5% ) إذا كان مما يسقى بمشقة ومؤنه ، كالذي يسقى بالدواب ، والآلات .
وتشمل الزكاة المفروضة بهيمة الأنعام من الإبل والبقر والغنم ، إذا بلغت نصابا معلوما ، بمقادير محددة في كتب الفقه الإسلامي . وقد أصلحت الزكاة ميزان تداول المال في المجتمعات الإنسانية ، فقد كان تداوله في المجتمعات القديمة يجري على النقيض من العدل والتكافل . كان الفقراء يكدحون ؛ لكي تتراكم الثروة لدى الأغنياء وأصحاب السلطان ، فعدل الإسلام الميزان ، وجعل القادر ، هو الذي يؤدي للمحتاج والفقير فريضة من الله ، والله عليم حكيم .
وأحكام الزكاة في المال ، مفصلة في كتب الفقه ، ولا يقتضي المقام تفصيلها . ومن أهمها ، أن جمع الزكاة وإنفاقها في مصارفها ، مسؤولية ولي الأمر في المجتمع . وحدد الإسلام تحديدا واضحا من تدفع إليه الزكاة ، ويكفي أن نذكر في ذلك الآية الشريفة : { إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } .( سورة التوبة ، الآية 60 ) .
وهي مصارف تجمع أصحاب الحاجة بجميع صورها ، وفي كل أوقاتها وظروفها .
وإلى جانب فريضة الزكاة في المال ، شرعت زكاة الفطر ؛ لتقيم التكافل بأجلى صوره في يوم العيد بعد صيام شهر رمضان ، وهي تجب على من يملك قوت يومه وليلته ، ومقدارها زهيد يستطيع كل من يؤديها ، أن يشعر بقدرته على الإسهام في التكافل الاجتماعي ، وأداء هذا الحق لمن يستحقونه .
ومن صور التكافل الاجتماعي في الإسلام ، ما شرعه الله من وجوب نفقة الأقارب الفقراء على القريب الغني ، فنفقة الزوجة على الزوج ، والأبناء على الأب ، ونفقة الوالدين الفقيرين على الولد القادر ، ونفقة الأخ الفقير أو المحتاج على أخيه الذي يرثه ، وقد وسع بعض علماء المسلمين في شأن نفقة الأقارب ، حتى تصل إلى ذوي الأرحام .
ومن صور التكافل الاجتماعي ، أحكام الديات في القتل الخطأ ، فإن الدية تجب لورثة القتيل ، وقد يكونون صغارا ، فتعينهم على مواجهة الحياة بعد فقد مورثهم .
ويتشارك أقرب العصبة إلى القاتل خطأ في دفع الدية إلى ورثة المقتول .
والدية هنا ، تمثل ضمانا من المجتمع لورثة المقتول ، فلا يضيع دم إنسان هدرا في مجتمع مسلم .
ولا يقتصر التكافل الاجتماعي في الإسلام ، على الجوانب المادية فحسب ، بل يمتد إلى ما يعد تعاونا شاملا على البر . من التوجيهات في الإسلام ، ألا يكتم الإنسان علمه النافع عمن يحتاج إلى التعليم ، ولا يبخل الإنسان بنصحه على من يحتاج للنصح والإرشاد ، فالدين النصيحة ، كما ورد في الحديث الشريف .
ولا تكاد توجد حالة ضعف أو محنة ، يتعرض لها الفرد في المجتمع الإسلامي ، إلا ويجد توجيهات في الإسلام تدعو القادرين إلى مد يد المساعدة إليه ، أو توجب عليهم هذه المعونة ، مالا أو نفعا ، أو حتى مواساة وشفقة ورحمة.[/align]
| |
|